الاثنين، ١٢ أكتوبر ٢٠٠٩

مجالس إدارات لا يستحون على وجوههم

الأزمة المالية التي عصفت بالبلاد العام الماضي قادتني للتساؤل عن الكثير من صفات الشركات المساهمة العامة الكويتية. أبسط الصفات التي استنكرتها هي دور مجالس إدارات بعض هذه الشركات. فبعض مجالس الإدارات التي أملك بها أسهم لم يراعوا مسئولياتهم القانونية و الأدبية تجاه المساهمين. بكل بساطة، مجالس لا تستحي على وجوهها.
قبل أن أتطرق لهذه المجالس أود أن أعرج إلى قانون الشركات التجاريةالكويتي لسنة 1960 و خاصة مادة 150 التي تخص مكافأة مجالس الإدارات. كانت المادة واضحة و دقيقة. إذ لا يجوز إعطاء مكافأة لمجلس الإدارة حتى أن توزع نسبة معينة من الأرباح على المساهمين. ولكن في عام  1990 تلاشى هذا الوضوح. فلقد عدلت المادة بحيث يمكن إعطاء مجلس الإدارة مكافأة حتى لو لم يوزعوا أرباح على المساهمين، و على ألا تزيد المكافأة عن 3000 دينار لكل عضو بالمجلس.
قد يرى البعض سببا لهذا التعديل. فمثلا لو أن مجلس الإدارة اجتمع اجتماعات كثيرة و مضنية للحفاظ على حقوق المساهمين. أو أن مجلس الإدارة اتخذ قرارات مهمة و صعبة للنهوض بالشركة. و لكن في كلا الأحوال يجب أن يكون هذا الجهد مشهودا له من جميع متابعي الشركة. و شخصيا أرى بأن على مجلس الإدارة ألا يأخذ المكافأة درءا للشبهات.
و الآن لنراجع ما قامت به بعض مجالس الشركات التي أملك بها أسهم.

شركة الصناعات الوطنية لم توزع أرباح و أعطت مجلس إدارتها 180 ألف دينار.

لفتت هذه الشركة انتباهي عندما أهدى المرحوم الشيخ جابر الأحمد ابنته بعض من أسهم هذه الشركة. قلت لنفسي والد الاقتصاد الكويتي لا يساهم بشركات إلا بعد دراسة دقيقة. و أخذت أراقب هذه الشركة. و بالفعل كانت تحقق أرباحا و توزعها سنويا. فقررت أن اشتري بعض من أسهمها. و في ميزانيتها المنتهية عام 2008 ابتُليت هذه الشركة بالكثير من الخسائر. و هذا أمر طبيعي بعالم التجارة و الاستثمار. و طبعا لم توزع الشركة أية أرباح. ولكن ما أغاظني هو أن مجلس الإدارة أعطي مكافأة قدرها 180 ألف دينار! بأي صفة تأخذون مكافأة و أنتم لم تحققوا أي ربح؟ و بأي حق أعطيتم هذا المبلغ فالمادة 150 حددت المكافأة بثلاث آلاف دينار فقط!

بنك برقان وزعوا لأنفسهم نقدا و وزعوا لنا ورقا.

مني بنك برقان حاله كحال باقي البنوك العالمية بخسائر العام الماضي. فلقد نزل نصيب السهم من الأرباح من 89 إلى 40 فلسا للسهم. و هذا أمر طبيعي أيضا. ولكن الغير طبيعي هو أن يتميز أعضاء مجلس الإدارة على المساهمين. فلقد خصصت لهم مكافأة نقدية قدرها 70 ألف دينار و المساهمين أعطوا أسهم منحة. أليس من الأجدر أن يعطوا أسهم منحة أو وعد بمكافأة مستقبلية؟ أو على الأقل أن تخصم المكافأة إلى النصف كما حدث مع نسبة ربح السهم.

مجلس إدارة البنك الوطني لا يأخذ أي مكافأة.

على نقيض باقي مجالس الإدارات، مجلس إدارة البنك الوطني قرر منذ زمان بعيد ألا يأخذوا مكافأة. و وضعوا قيودا إفصاحية بميزانيتهم تبين تعامل أعضاء مجلس الإدارة و أقربائهم من الدرجة الأولى مع البنك. سباقين بالشفافية. لكنني أختلف معهم بالنسبة لمكافأة مجلس الإدارة. فعدم وجود المكافأة يضعف العلاقة بين الموكل (نحن) و الوكيل (مجلس الإدارة ). فحبذا لو أن مجلس إدارة البنك الوطني أخذ مكافأة أقل من باقي مجالس البنوك. و تتغير هذه المكافأة حسب تغير ربحية البنك. ولكن يبقى بنك الكويت الوطني رياديا في أمانته تجاه مساهميه.

و أخيرا في هذه الفوضى المالية من ينتخي لصغار المساهمين؟ الواجب هو أن تحمي الحكومة صغار المساهمين. ولكن حكومتنا لا يهمها إلا بقاؤها بأي ثمن. الجهة الأخرى هي مجلس الأمة. ولكن أعضائه لا يهمهم إلا تصيد أخطاء الوزراء الذين لا يكسرون لهم القانون. و طبعا أكثرهم لا يفقهون بالأمور المالية. و هناك
الإدارة الحكومية متمثلة بوكيل وزارة التجارة. ولكن للأسف معظم قيادي الحكومة عُينوا بالواسطة و ليسوا متمكنين من صلب عملهم. و أخيرا هناك التنظيمات الاجتماعية مثل الجمعية الاقتصادية و جمعية المحاسبين. ولكن معظم أعضائها محسوبين على مجالس إدارات الشركات.
و إزاء هذا الوضع لم يبقى لنا إلا انتقاد من لا يستحي على وجهة في الدواوين و المجالس الخاصة و طبعا المنتديات.
و لكل من ينادي بأن تكون الكويت مركزا ماليا، أقول لهم الله يعينكم أمامكم طريق طويل.