السبت، ٢٧ مارس ٢٠١٠

خطة التنمية: "سوالف عِمي"

و نحن نتناول وجبة الغداء سألتني إبنتي مريم إذا كنت قد قرأت خطة التنمية. فأجبتها "حبيبتي هم عارفين يديرون الحاضر حتى يديروا المستقبل؟". سكتت و ثم ردت بحياء "كان بودي اعرف عنها اكثر". فقلت لنفسي مريومه تستاهل اكثر. سأقرأ الخطة و احللها ما استطعت. و عندما بدأت أقرأها وجدت امور لا تغتفر، كما نسميها بالكويتي "سوالف عِمي". و وجدت امور جيدة خاضعة للإجتهاد. فقررت ان اكتب هذه المقالة عن "السوالف العمي" و مقالة لاحقة عن الاجتهاد.
أهم خطأ لا يغتفر بدر من الدكتور يوسف الزلزلة، رئيس اللجنة المالية، و الدكتورة رولا دشتي، عضو باللجنة. حيث يبين الدكتور زلزلة بكتابه لرئيس المجلس عن اعمال اللجنة بالنسبة لخطة التنمية (ص 4) بأنهم اضافوا الى سياسات التعليم هذا النص "على ان يساهم القطاع الخاص بدور اكبر في إدارتها و تشغيلها (جامعات مستقلة)، على ان تكون هذه الجامعات غير ربحية”. كيف ان نطلب من القطاع الخاص ان يدير جامعات على اساس غير ربحي؟!
الدكتور يوسف الزلزلة كان عميد كلية العلوم الإدارية بجامعة الكويت. و الدكتورة رولا دشتي تخرجت من خيرة جامعات امريكا. موافقتهم على هذا النص ما هي إلا نفاق علمي. المتوخى منكم ان تلتزموا بعلميتكم. فالقطاع الخاص لا يعمل إلا على اسس ربحية. لا تنافقوا بأمر يتعلق بمهنيتكم و أهم من هذا مستقبل الكويت. عليكم الاعتذار او الاستقالة من اللجنة المالية.
الخطأ الاخر صدر عن المجلس الأعلى للتخطيط و التنمية. ففي الصفحة رقم 46 من ما يسمى بمقترح الإطار العام لخطة التنمية لدولة الكويت يتحدثون عن تطوير خدمات النقل البري و تحويل الكويت الى مركز مالي. يكتبون عن تطوير خدمات النقل البري و زيادة أطوال شبكة الطرق. و هذا امر لا خلاف عليه. ولكنهم بنفس الفقرة يذكرون بان احد عناصر هذا التطوير هو المترو!!
ما دخل المترو بتطوير شبكة النقل البري؟ المترو حل لمشكلة الإختناقات المرورية الداخلية. و ليس له علاقة بالنقل البري الخارجي. ولكن يبدو بأن الجماعة يريدون المترو بأي شكل من الاشكال. حتى ولو ادى الامر الى الخلط بين النقل الخارجي و النقل الداخلي. عيب عليكم. هذا الإقحام يدعونا التشكيك بحاجة المترو إلا للمنتفعين و يدعونا للتشكيك بمصداقية الحكومة!
الخطأ الاخر صدر من أمانة اللجنة المالية بمجلس الامة. ليس من مسؤولية أعضاء اللجنة ان يراجعوا التقارير التي ترفع. بل مسؤولية العاملين بأمانة اللجنة. و ما شاء الله عددهم كثير و مؤخرا قرأنا بالصحف عن منح العاملين بمجلس الامة مكافأت مالية. الواجب عليكم ان تراجعوا كتاب رئيس اللجنة الى رئيس المجلس قبل ان يصدر. ففي الصفحة رقم 4 من كتاب رئيس اللجنة يذكر بأنه قد تمت تعديلات على صفحة 54 و 55 من الاطار العام و يذكر هذه التعديلات. هذه التعديلات لم تتم بالصفحات التي ذكرت ارقامها. إنما تمت على صفحات اخرى.
أعذر السادة النواب أعضاء اللجنة فليس لديهم المتسع من الوقت للمراجعة. ولكن لن أعذر موظفي اللجنة. أنتم لستم نواب و لديكم العدد الكثير من الموظفين و الوقت للقيام بهذه المهمة. الواجب ان تستقيلوا من مهامكم هذه و تقدموا الى لجنة تحقيق على هذا الاهمال!
الخطأ الاخر صدر من المجلس الأعلى للتخطيط و التنمية. إذ يبدو بأن برنامج صف الكلمات الذي يستعملونه قد عفى عليه الزمان. يرسم الكلمات غلط. فعندما تكتب كلمة "كذلك" في الاطار العام لخطة التنمية تكتب "كذلک" و كأن حرف الكاف في اول الكلمة.
المجلس الأعلى للتخطيط مسؤول عن أكبر جهاز كومبيوتر بالبلاد. لماذا لا يزالون يستعلمون برنامج صف كلمات عفى عليه الزمان. برنامج ورد من مايكروسوفت او اوبن اوفس لا يرتكب هذه الغلطة. يمكن الجماعة لا يزالون ينفعون وكلاء البرامج القديمة. عيب عليكم! مثل هذا البرنامج يدعونا الى التسائل عن مهنيتكم و أمانتكم.
و أخر خطأ قد لا يكون خطأ بقدر ما هو عدم مجاملة أو إثبات موقف من مجلس التخطيط. فالشيخ ناصر صباح الاحمد مهتم كثيرا بما يسمى طريق الحرير. و كلما أرى بوعبدالله يذكرني به. توني بلير بتقريره المشهور ذكر طريق الحرير ببعض الفقرات. الإطار لم يذكر طريق الحرير إطلاقا. هل هذا عدم كياسة ام إثبات موقف؟ أتركه للمحللين السياسيين.
و اخيرا مهما قلنا يبقى القائمين على التخطيط أخوة لنا و "خشمك هو خشمك لو كان أعوج". يستحقون ان ننظر الى ما قدموه بمنظار تحليلي. و هذا ما سأكتب عنه بالمقالة القادمة. و تستاهل مريومه.

الاثنين، ٢٢ مارس ٢٠١٠

فن التمويل و البنوك الإسلامية: إنطباعاتي (4-4)

أقترح على كل مهتم بمهنة التمويل ان يقرأ هذا الكتاب. حتى و ان كان غير مكترث بالتمويل الإسلامي. فلقد بذل الدكتور يحيى الكثير من الجهد الفكري بهذا الكتاب. و أبدى رأي شجاع على بعض المواضيع. و قدم لنا معلومات من الصعب الحصول عليها بشكل رسمي.
لاشك بأن للبنوك الإسلامية دور في المجتمعات الإسلامية. فهناك افراد يلتزمون بالتفسير الحرفي للنص. و لا يودعوا اموالهم أو يستدينوا من البنوك الدنيوية. هذا الإعتقاد يسبب مشاكل لهم و للنظام المالي للدولة التي يقطنون بها. فحسب ما قاله لي خبير بريطاني بالبنوك الإسلامية انه لولا البنوك الإسلامية بالمملكة الأردنية الهاشمية لوضع ما يقارب البليونين دينار في مخابيء بالمنازل. هذا التصرف يحرم مالك هذه الاموال من عائد عليها. و هناك أناس يدخرون المال ليشتروا حاجاتهم الأساسية مثل السكن و لا يستدينون من البنوك لأنها ربوية. و حرمان الدورة المالية من بليونين دينار لها ضرر كبير على الإقتصاد و على المجتمع ككل. البنوك الإسلامية حلت هذه المعضلة. و بكل صراحة لهم الشكر.
أتفق و اختلف مع الدكتور يحيى بالنسبة للخبراء الشرعيين. أتفق معه بأنه يجب ان تكون هناك لجان شرعية بالبنوك المركزية. و أتفق معه ايضا بأن الخبراء الذين يعملون بعدة بنوك يدور حولهم الشك بتعارض المصالح. و لكن شخصيا أرى بأنه يجب ان تكون هناك لجنة شرعية بكل بنك إسلامي. فمن خلال اللجان الشرعية المختلفة يأتي الإجتهاد و الثراء للتمويل الإسلامي.
أعجبتني شجاعة الدكتور يحيى عندما حلل الفائدة التي تفرضها البنوك المركزية. أتفق معه بأن هذا الطرح يتناسب مع بنوك الدول المستقرة و الكبيرة مثل الولايات المتحدة و اليابان. ولكن هل يجوز من ناحية شرعية ان نقبل الفائدة بدولة مثل زمبابوي؟ دولة إبتلت بقائد شرير يقود إقتصاد بلاده الى الهاوية. هل نقبل ان ندين دولة مثل اليونان التي يغش قادتها الاتحاد الاوربي؟ شخصيا لا احلل الفوائد التي قادتها فاسدين.
شخصيا لم اقتنع بأسلوب الدكتور يحيى بالنسبة الى التسعير السوقي و ما يصفه بالعائد على الاستثمار عندما يدينوا المقترضين. فالتسعير السوقي يحمل بطياته الفائدة البنكية. و بالنسبة الى العائد المالي الذي يطلبه المستثمر، يقول الدكتور يحيى بأن من اكبر مستثمرينهم فاني مي Fannie Mae و فردي ماك Freddie Mac. و هذه البنوك تحدد العائد على الاستثمار. اليس العائد التي تحدده هذه البنوك يعتمد على فائدة البنوك الدنيوية السائدة؟
و اخيرا و مع هذا كله أرى بأن كتاب The Art of Islamic Banking and Finance للدكتور يحيى عبدالرحمن يستحق القراءة. بل لقد ارسلت له ايميل ادعوه ان يترجمه الى اللغة العربية، و ياليتني طلبت منه ان يترجم الى جميع لغات المجتمعات الإسلامية. و من هو قادر على القراءة باللغة الإنكليزية فالكتاب موجود بأمازون.

السبت، ٢٠ مارس ٢٠١٠

فن التمويل و البنوك الإسلامية: البنوك الإسلامية (3-4)

و بعد تنظيره للتمويل الإسلامي ينتقل الدكتور يحيى الى البنوك الإسلامية. يستعرض نشأتها و ممارساتها و الرقابة الشرعية عليها. طبعا يدافع عن فشل بنك الدلة في المملكة المتحدة و يمدح بنك ويتير الذي يملك به.
أول بنك إسلامي كان في مصر. أسسه في الستينيات الدكتور احمد النجار الذي رجع الى مصر بعد ان انهى تعليمه في المانيا. حز بنفسه رؤية معانات الفلاحين في زفتا و ميت قمر. فكان الفلاحون يستحرمون ديون البنوك. و بنفس الوقت كانوا بحاجة لتمويل زراعتهم. فأسس بنك إسلاميا ليساعد الفلاحين. نجح هذا البنك نجاحا باهرا. و من ثم أممه جمال عبدالناصر و أسماه بنك ناصر الإجتماعي.
و بعد حرب 1973 و أزدياد العوائد النفطية لدول الخليج و ضعف قدرة هذه الدول على إستيعاب العوائد النقدية وضع الملك فيصل آل سعود خططا لإنشأ بنوك إسلامية تمول الدول الإسلامية. و أنشأ بنك التنمية الإسلامي Islamic Development Bank. و أسس في دبي بنك دبي الإسلامي و في الكويت أسس بيت التمويل الكويتي. و أسس سمو الامير الملكي محمد الفيصل بنك فيصل، و كان مقره سويسرا. و أسس الشيخ صالح كامل دلة البركة و فتح لها فروعا في الكثير من الدول.
و بنفس الوقت أنشأت بنوك إسلامية في ماليزيا لسبب إجتماعي. فالماليزيون يعتقدون ان أفضل زيجة تلك التي يعقد قرانها في مكة بفترة الحج. و كانت العوائل تدخر من اجل هذا الهدف. و حتى ان تكون هذه الاموال نقية من أي شبهة حرام ربوي أسست هذه البنوك.
و في الغرب أسست بعض البنوك الإسلامية لخدمة المسلمين هناك. فأسس بنك HSBC  بنكا إسلاميا لخدمة المسلمين في المملكة المتحدة و بدأ البنك الأهلي المتحد (بنك الكويت المتحد سابقا) تقديم خدمات بنكية إسلامية. و فتح له فرعا في نيويورك.

الثلاثاء، ١٦ مارس ٢٠١٠

فن التمويل و البنوك الإسلامية: الربا (2-4)

أعجبني طرحه الشجاع عندما اخذ يتطرق للربا. فالدكتور يحيى يحلل الفائدة التي تحددها البنوك المركزية. و اعجبني ايضا تسلسل أفكاره. حيث يبدأ بدراسة الربا من الديانة اليهودية الى وقتنا الحالي.
في عام 1987 أنشأ الدكتور يحيى و ممولين مسلمين في امريكا شركة تمويل إسلامية أسمها بيت التمويل الامريكي لا ربا. هدف هذه الشركة تقديم الخدمات التمويلية بدون ربا لمن يريدها من  جميع الاديان. و من أجل تعريف الربا و تحريمه بالديانات اليهودية و المسيحية و المسيحية الانجيلية كلفوا متخصصين بهذه الديانات تقديم دراسات حول تحريم الربا. هذه الدراسات يرجع لها الدكتور يحيى بكتابة. و تستحق ان نتطرق لها بهذه المقالة.
كلفت شركة لا ربا الحاخام الدكتور يوسف كانسكي. و أيضا اليهودية تحرم الربا معتمدا على سفر الخروج فصل 22 آية 25 القائلة  "أن أقرضت فضة لشعبي الفقير الذي عندك فلا تكن له كالمرابي لا تضعوا عليه ربا.". ولكن هذه التعليمات تعني العلاقة بين اليهود. و بالنسبة للربا او الفائدة بين اليهود و الغير فهي ايضا محددة. حيث يجب ان لا يكون بها غلو و تسد الحاجات الاساسية لليهودي الذي يدين الغير يهودي. اي إستغلال لضعف المدين محرم باليهودية.
و ايضا كلفوا البروفسور كريستوفر كازور من جامعة لايولا ان يقدم لهم دراسة عن الربا حسب المذهب الكاثوليكي في الديانة المسيحية. و بين لهم بأن الربا محرم بالديانة المسيحية. ففي متى 25 يقول الملك “ جعت فأطعمتموني عطشت فسقيتموني”  “فيجيبه الأبرار حينئذ  قائلين: يارب، متى رأيناك جائعا فأطعمناك، أو عطشانا فسقيناك؟”. و ينتقل الى القديس توماس اكويناس الذي يميز بين الشيء و استعمال الشيء. فهناك أشياء تستعمل دون ان تدمر مثل تأجير المنزل. و هناك ما يدمر من خلال استعماله مثل التفاحة. ولذلك حرم توماس اكوينس الربا. ولكن من حق الدائن ان يطلب مبلغا اكثر من اصل الدين كتأمين او تكلفة لهذا الدين.
و كلفوا البروفسور جون جولدينجي ليكتب عن الربا كما يراه الانجيليين. و بالنسبة لهم لا يجوز رهن أساسيات الحياة مثل ألأبناء او الثور او الحمار الذي يستعمله الانسان بحياته اليومية. و لا يجوز اخذ الفائدة من الفقراء. و واجب على الاغنياء ان يدينوا الفقراء و المحتاجين. و يوجب سيدنا المسيح تقديم الدين حتى الى الاعداء.
و عندما يتطرق الدكتور يحيى  الى الربا بالإسلام يبدع. يبدأ بالآية الكريمة التي حرمت الربا. و يبين بأن الربا لا يشمل المال فقط، بل يشمل المواد الأساسية مثل الذهب و الفضة و الحنطة. و ينتقل الى انواع الربا، ربا الفضل و ربا النسيئة. و من ثم ينتقل الى أصول الفقه و كيف ممكن ان نشتق الاحكام. و يتطرق الى كيف كان المسلمين يتعاملون بالدين عندما كان يتعلق بمواد مختلفة. و يذكر حادثة الصحابي بلال عندما اشترى التمر و اهداه للرسول. فعندما سأله الرسول كيف حصلت على هذا التمر الكبير قال له بأنه بادل صاعين التمر الصغير بصاع من التمر الكبير. فقال له الرسول بأن هذا ربا و عقد غرر. كان الواجب ان يبيع التمر الصغير و يشتري بثمنه تمر كبير.
بعد هذا التحليل العميق، يستخلص الدكتور يحيى نظرية التسعير السوقي و نظرية مؤشر السلع. فعندما يأتي بنك ويتير عميل يريد الإقتراض من اجل شراء منزل يطلبون منه ان يأتي بتقدير أسعار الإيجار لمنزل مشابه لما يريد شراءه بالمنطقة ذاتها. و هم ايضا يأتون بتقدير مماثل. و يتم الاتفاق على ان العائد على هذا الاستثمار هو اجار المنزل المراد شرائه. و بالنسبة لتقيم الامور المختلفة يرجعون الى مؤشر السلع.
و من ثم ينتقل الدكتور يحيى الى الفائدة بوقتنا هذا. و يبدأ من اتفاقية بريتون وودز التي قيمة العملات المختلفة بالذهب. و قرار الرئيس نيكسون الذي الغى به العلاقة بين الذهب و الدولار الامريكي. و يقول بأن هذا القرار قد خلق إرباك بسوق العملات لا نزال نعاني منه. و من اجل ان تحافظ الدول على اسعار عملاتها ترفع او تخفض الفائدة التي يقررها البنك المركزي. هذه الفائدة لا يراها الدكتور يحيى كربا ولكن كضريبة للتعامل بهذا العملة ان كانت دولار او اي عملة دولية اخرى. و يقترح ان يتفق العالم على مؤشر السلع الذي ذكره سابقا حتى نلغي الحاجة لفوائد البنوك المركزية.
و بعد ذلك يراجع الأساليب التي تتبعها البنوك الاسلامية مثل المرابحة التي برأيه يشوبها شبهة الربا. و المشاركة التي تفتقد الى الاسس القانونية. حيث يرجع الى بعض القضايا التي حكمت بها المحكمة بعدم صحة القرض. و ينظر اليها بنظرة التفهم بسبب حداثة البنوك الإسلامية.
و يرى بأن هناك تفاوت في الرقابة على البنوك الإسلامية من الناحية الشرعية. و يؤيد الأسلوب الماليزي. حيث توجد إدارة متخصصة بالبنك المركزي لرقابة البنوك من الناحية الشرعية.
و خلال هذا الطرح اعجبتني شجاعة الدكتور يحيى. فهو ينتقد الأشخاص المشهورين الذين يشاركون في أكثر من لجنة خبراء للبنوك الإسلامية. فيراهم غير ملمين في الامور البنكية الدنيوية الحديثة. و يرى أن سلوكهم يشوبه تعارض المصالح لأن هناك خبراء يعملون بلجان لعدة بنوك. و ينتقد التكلفة الباهضة لهؤلاء الخبراء. فالواحد منهم يقبض خمسين الف دولار بالسنة و جميع تكاليف السفر و السكن مدفوعة.
و اتفق معه عندما يدعي بأن بنك ويتير من خيرة البنوك الإسلامية. فالبنك يراقب من قبل البنك الفيدرالي الامريكي. و هذه الرقابة شديدة للغاية. فالملاك ممنوعين من التدخل في شؤون الإدارة، ان تدخلوا يعاقبهم القانون. الوضع المالي يراقب بشكل شديد. حتى تغيير الادارة يجب ان يوافق عليها البنك الفيدرالي. قيود كثيرة لا نراها في بنوكنا ان كانت إسلامية او دنيوية.

الأحد، ١٤ مارس ٢٠١٠

فن التمويل و البنوك الإسلامية: يحيى عبدالرحمن (1-4)

في شهر ديسمبر من العام الماضي جائني ايميل من صديقي العزيز الدكتور يحيى عبدالرحمن يخبرني بأنه قد كتب كتابا باللغة الانجليزية اسمه The Art of Islamic Banking and Finanace و ان هذا الكتاب يباع على موقع امازون. و بالرغم من ان هذا الكتاب اغلى بكثير من الكتب المماثلة له إلا انني اشتريته إكراما لصديق عزيز. و عندما بدأت بقرائته فوجئت بالفكر الشجاع الواضح الكريم. فلقد فتح لنا الدكتور يحيى دواخل بنكه الاسلامي الكائن في امريكا. فقررت ان اكتب عنه عدة مقالات. ولكن قبل ان اكتب عن فكره قررت ان اكتب عن يحيى عبدالرحمن نفسه. حتى يعرف القراء نوعية شخصية يحيى. رجل صادق متمسك بهويته الاسلامية.
اتصل بي في مطلع الثمانينات الاخ عبدالله بشارة، ممثلنا في الامم المتحدة، مبينا لي بأن شركة اتلانتيك ريتشفيلد (احد كبرى شركات النفط الامريكية) تريد عقد نفط من الكويت. وقد جائنا الاخ يحيى مع شخص  امريكي نسيت اسمه ممثلان لهذه الشركة. و تعجبت عندما قبلا بالسعر العالي الذي عرضه عليهم الاخ عبدالله الرومي. و عندما فقد النفط بريقه جاء الاخ يحيى طالبا عدم تجديد العقد. فقلت له لماذا قبلتم بالسعر العالي؟ فرد علي بان كان لديه عروض من دول اخرى ارخص مما عرضنا عليهم ولكنها كانت تتضمن رشوة لمسؤولين. و انه يعارض الرشوة تماما، حتى لو كلفه الامر خسارة.
و اثناء الاحتلال البغيض جاء الدكتور يحيى الى مكاتبنا في لندن. و كان يبكي حزنا على ما حدث للكويت. و عندما سئلته عن موقف الاخوان المسلمين في مصر المؤيد للنذل صدام، قال بأنهم على خطأ. و في فسحة الغداء رأيته يذهب مع الزملاء علي عبد العزيز و بكر عثمان. فسئلت رئيسهم الاخ عبدالهادي العواد عن سر العلاقة. فقال بأنهم يتبادلون الاراء حول التمويل الاسلامي.
و في التسعينات كنت ابحث في موضوع الزكاة. فأقترح الاخ هاني عبدالعزيز حسين ان اتصل بالدكتور يحيى استشف رأيه. و اتصلت به. و اذ به متبحر بتطبيقات الزكاة. و مرة اخرى سئلت الاخ هاني عن شركات الاستثمار في امريكا. فأقترح ان اتصل بيحيى مرة ثانية. و اذ به مستشارا لشركة سميث اند بارني، من اكبر شركات الاستثمار في امريكا.
و هنا بدأت استفسر عنه اكثر. و اذ به مؤسس لإتحاد المسلمين في شمال ولاية تكساس. و كان خطيبا يأم المسلمين و مأذونا شرعيا في منطقته. و هذا يأتي بي الى روايتان.
الأولى كانت عندما كتب قران فتاة مسلمة مع رجل مسلم. و بعد عقد القران هرب الزوج من زوجته و لم يدفع لها النفقة. و ادعى بأن هذا الزواج غير قانوني و غير ملزم. و هذا ما ذهبت به محكمة الاحوال الشخصية هناك. فقرر الدكتور يحيى ان لا يعقد قران الا بعد ان يوثق في السجلات الدنيوية التابعة للولاية. و اتبع اسلوبه المجتمع الاسلامي في امريكا.
الحادثة الثانية كانت بعد ان انهى خطبته جاءه شخص يعرف نفسه بالشيخ صالح كامل من السعودية طالبا بعض من وقته. يحيى لم يكن يعرف من هو الشيخ صالح كامل، ولكنه كريم بوقته. فقابله. و تم الحديث عن التمويل الاسلامي. و شجعه الشيخ صالح بهذا المنحى. مقابلة تركت معزة كبيرة للشيخ صالح كامل بقلب الدكتور يحيى. حيث رأيته يكيل المدح لهذا الشخص. و يصفه بأحد الشخصيات الريادية في تطبيق و تطوير التمويل الاسلامي.
و بعد هجوم القاعدة على نيويورك اتصلت بالدكتور يحيى لأرى رأيه. فبين بأنه يشجب هذا العمل جملة و تفصيلا. و يدعو الاخوات المسلمات الى لبس الحجاب بالاماكن العامة. رافعين علم الاسلام شاجبين العنف متمسكين بحقوقهم المدنية التي منحها الدستور الامريكي.
قد يقول بعض القراء بأنني قد اطلت بتعريف يحيى عبدالرحمن. لهؤلاء اعتذر. فالسبب هو تأكيد قدرات الدكتور يحيى إسلاميا و علميا و أخلاقيا. فالدكتور يحيى بكتابه يحلل الفائدة التي تطلبها البنوك المركزية، يأتي بنظام شبه جديد لتقييم الجدوى الاقتصادية، بل يحاول ان يلغى العملات العالمية كما نراها حاليا، و يطرح نظام بنكي رحوم.